فصل: بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ:

قَالَ (مَعْدِنُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ صُفْرٍ وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ فَفِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ كَالصَّيْدِ، إلَّا إذَا كَانَ الْمُسْتَخْرَجُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْحَوْلُ فِي قَوْلٍ، لِأَنَّهُ نَمَاءٌ كُلُّهُ وَالْحَوْلُ لِلتَّنْمِيَةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَهُوَ مِنْ الرَّكْزِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَعْدِنِ، وَلِأَنَّهَا كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَحَوَتْهَا أَيْدِينَا غَلَبَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً، وَفِي الْغَنَائِمِ الْخُمُسُ، بِخِلَافِ الصَّيْدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ، إلَّا أَنَّ لِلْغَانِمَيْنِ يَدًا حُكْمِيَّةً لِثُبُوتِهَا عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلِلْوَاجِدِ، فَاعْتَبَرْنَا الْحِكْمَةَ فِي حَقِّ الْخُمُسِ، وَالْحَقِيقَةَ فِي حَقِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، حَتَّى كَانَتْ لِلْوَاجِدِ.
الشرح:
بَابٌ فِي الْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
قُلْت: رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»، انْتَهَى.
أَخْرَجُوهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا، وَالرِّكَازُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْدِنِ، وَعَلَى الْمَالِ الْمَدْفُونِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَهُنَا اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْدِنِ: وَفِيمَا بَعْدُ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْكَنْزِ، وَاسْتَدَلَّ لَنَا الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرِّكَازُ الَّذِي يَنْبُتُ بِالْأَرْضِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، قِيلَ: وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ، رَوَى أَبُو حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي الرِّكَازِ الْعُشُورُ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ، وَابْنُ نَافِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيَزِيدُ كِلَاهُمَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَوَصَفَهُمَا النَّسَائِيّ بِالتَّرْكِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَسَكَتَ الشَّيْخُ عَنْ عِلَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَيَهِمُ فِي الْآثَارِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
وَحِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ: هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ: صَدُوقٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فِي حَدِيثِهِ، وَحَدِيثِ أَخِيهِ مِنْدَلٍ بَعْضُ الْغَلَطِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْخَصْمِ الْقَائِلِ بِأَنَّ فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ دُونَ الْخُمُسِ، بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقْطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ» وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفَرْعِ، فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مُنْقَطِعٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَقَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَالْقَبَلِيَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَرْعُ: ضَبَطَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ، وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ: حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ، وَمَعَ انْقِطَاعِهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ، انْتَهَى.
(وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ مَعْدِنًا فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: فِيهِ الْخُمُسُ، لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلَهُ أَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ مُرَكَّبٌ فِيهَا، وَلَا مُؤْنَةَ فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ، فَكَذَا فِي هَذَا الْجُزْءِ، لِأَنَّ الْجُزْءَ لَا يُخَالِفُ الْجُمْلَةَ، بِخِلَافِ الْكَنْزِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَكَّبٍ فِيهَا.
قَالَ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضِهِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ رِوَايَتَانِ) وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ دُونَ الْأَرْضِ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّارِ، فَكَذَا هَذِهِ الْمُؤْنَةُ.
(وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا) أَيْ كَنْزًا (وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ) عِنْدَهُمْ، لِمَا رَوَيْنَا.
وَاسْمُ الرِّكَازِ يُطْلَقُ عَلَى الْكَنْزِ لِمَعْنَى الرَّكْزِ، وَهُوَ الْإِثْبَاتُ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اللُّقَطَةِ وَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهَا فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ضَرْبِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَالْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ الصَّنَمُ فَفِيهِ الْخُمُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمَا بَيَّنَّا، ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ، لِأَنَّهُ تَمَّ الْإِحْرَازُ مِنْهُ، إذْ لَا عِلْمَ بِهِ لِلْغَانِمِينَ فَيَخْتَصُّ هُوَ بِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ فَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِتَمَامِ الْحِيَازَةِ، وَهِيَ مِنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ لِلْمُخْتَطِّ لَهُ، وَهُوَ الَّذِي مَلَّكَهُ الْإِمَامُ هَذِهِ الْبُقْعَةَ أَوَّلَ الْفَتْحِ، لِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ وَهِيَ يَدُ الْخُصُوصِ فَيَمْلِكُ بِهَا مَا فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَنْ اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ مَلَكَ الدُّرَّةَ، ثُمَّ بِالْبَيْعِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا، بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَائِهَا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْمُخْتَطُّ لَهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْصَى مَالِكٍ يُعْرَفُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا قَالُوا، وَلَوْ اشْتَبَهَ الضَّرْبُ يُجْعَلُ جَاهِلِيًّا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ رِكَازًا أَيْ كَنْزًا وَجَبَ فِيهِ الْخُمُسُ لِمَا رَوَيْنَا.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ: فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنْ كُنْت وَجَدْتَهُ فِي قَرْيَةٍ مَسْكُونَةٍ، أَوْ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَعَرِّفْهُ، وَإِنْ كُنْت وَجَدْتَهُ فِي خَرِبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ، أَوْ غَيْرِ سَبِيلٍ مِيتَاءٍ، فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ»، انْتَهَى.
وَسَكَتَ عَنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ الْحُجَّةَ فِي سَمَاعِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَصِلْ إلَيْهَا إلَى هَذَا الْوَقْتِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُد بْنَ شَابُورَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرٍو بِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَى الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ رِكَازًا، فَأَتَى بِهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ الْخُمُسَ، وَأَعْطَى بَقِيَّتَهُ لِلَّذِي وَجَدَهُ فَأُخْبِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبَهُ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مُرْسَلٌ.
الْآثَارُ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْعَرَبِ وَجَدَ سَتُّوقَةً فِيهَا عَشْرَةُ آلَافٍ، فَأَتَى بِهَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ مِنْهَا خُمُسَهَا أَلْفَيْنِ، وَأَعْطَاهُ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ.
آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ رَجُلًا سَقَطَتْ عَلَيْهِ جَرَّةٌ مِنْ دَيْرٍ بِالْكُوفَةِ فِيهَا وَرِقٌ، فَأَتَى بِهَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: اقْسِمْهَا أَخْمَاسًا، ثُمَّ قَالَ: خُذْ مِنْهَا أَرْبَعَةً، وَدَعْ وَاحِدًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: حُمَمَةُ، قَالَ: سَقَطَتْ عَلَيَّ جَرَّةٌ.
آخَرُ: رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَرْوَانَ عَنْ هُذَيْلٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت كَنْزًا فِيهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا أَرَى الْمُسْلِمِينَ بَلَغَتْ أَمْوَالُهُمْ هَذَا، أَرَاهُ رِكَازَ مَالٍ عَادِيٍّ، فَأَدِّ خُمُسَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَك مَا بَقِيَ، انْتَهَى.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ عُمَرَ الضَّبِّيِّ، قَالَ: بَيْنَا قَوْمٌ عِنْدِي بِسَابُورَ يُثِيرُونَ الْأَرْضَ إذْ أَصَابُوا كَنْزًا، وَعَلَيْنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ الرَّاسِبِيُّ، فَكَتَبَ فِيهِ إلَى عَدِيٍّ، فَكَتَبَ عَدِيٌّ إلَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ: خُذُوا مِنْهُمْ الْخُمُسَ، وَدَعُوا سَائِرَهُ لَهُمْ، فَدَفَعَ إلَيْهِمْ الْمَالَ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْخُمُسَ، انْتَهَى.
(وَمَنْ) (دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوَجَدَ فِي دَارِ بَعْضِهِمْ رِكَازًا) (رَدَّهُ عَلَيْهِمْ) تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ، لِأَنَّ مَا فِي الدَّارِ فِي يَدِ صَاحِبِهَا خُصُوصًا (وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الصَّحْرَاءِ) (فَهُوَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ عَلَى الْخُصُوصِ، فَلَا يُعَدُّ غَدْرًا، وَلَا شَيْءَ فِيهِ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُتَلَصِّصٍ غَيْرِ مُجَاهِرٍ.
(وَلَيْسَ فِي الْفَيْرُوزَجِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ خُمُسٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» (وَفِي الزِّئْبَقِ الْخُمُسُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ».
قُلْت: غَرِيبٌ، أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ»، انْتَهَى.
وَضَعَّفَ عُمَرَ الْكَلَاعِيَّ، وَقَالَ: إنَّهُ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمُ حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ بَقِيَّةَ، وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَغَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِهِ، وَضَعْفُ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْفَلَّاسِ، وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ، وَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زَكَاةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، انْتَهَى.
(وَلَا خُمُسَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِيهِمَا وَفِي كُلِّ حِلْيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ خُمُسٌ، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ.
وَلَهُمَا أَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْقَهْرُ فَلَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيمَةً، وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ، وَبِهِ نَقُولُ.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ الْعَنْبَرِ.
قُلْت: غَرِيبٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَذَ مِنْ الْعَنْبَرِ الْخُمُسَ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ لَيْثٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَمَّسَ الْعَنْبَرَ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَا: فِي الْعَنْبَرِ، وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ خُمُسٌ، انْتَهَى.
وَحَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ، وَزَادَ هُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ، وَلَيْسَ الْعَنْبَرُ بِغَنِيمَةٍ، انْتَهَى.
وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ وَكَانَ عَامِلًا بِعَدَنَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْعَنْبَرِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ، فَالْخُمُسُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَنْبَأَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِهِ، وَفِيهِ أَثَرٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَالِفٌ: رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ رَوْحٍ عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرَ: أَنْ خُذْ مِنْ الْعَنْبَرِ الْعُشْرَ، انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ ضَعِيفٌ، وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَلَيْسَ يَثْبُتُ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَتَاعٌ وُجِدَ رِكَازًا فَهُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ، وَفِيهِ الْخُمُسُ) مَعْنَاهُ إذَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا، لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي قَلِيلِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرُ، سَوَاءٌ سُقِيَ سَيْحًا أَوْ سَقَتْهُ السَّمَاءُ، إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ، وَقَالَا: لَا يَجِبُ الْعُشْرُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ إذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ.
وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ عِنْدَهُمَا عُشْرٌ) فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْبَقَاءِ، لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَلِأَنَّهُ صَدَقَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّصَابُ لِتَحْقِيقِ الْغِنَى.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَتَأْوِيلُ مَا رَوَيَاهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْمَالِكِ فِيهِ فَكَيْفَ بِصِفَتِهِ، وَهُوَ الْغِنَى، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْحِلُّ، لِأَنَّهُ لِلِاسْتِنْمَاءِ وَهُوَ كُلُّهُ نَمَاءٌ، وَلَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَالزَّكَاةُ غَيْرُ مَنْفِيَّةٍ، فَتَعَيَّنَ الْعُشْرُ، وَلَهُ مَا رَوَيْنَا، وَمَرْوِيُّهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى صَدَقَةٍ يَأْخُذُهَا الْعَاشِرُ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تُسْتَنْمَى بِمَا لَا يَبْقَى، وَالسَّبَبُ هِيَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهَا الْخَرَاجُ.
أَمَّا الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ فَلَا تُسْتَنْبَتُ فِي الْجِنَانِ عَادَةً، بَلْ تُنَقَّى عَنْهَا، حَتَّى لَوْ اتَّخَذَهَا مَقْصَبَةً أَوْ مَشْجَرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ، أَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ فَفِيهِمَا الْعُشْرُ، لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ بِخِلَافِ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَبُّ وَالتَّمْرُ دُونَهُمَا.
قَالَ: (وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَكْثُرُ فِيهِ وَتَقِلُّ فِيمَا يُسْقَى بِالسَّمَاءِ أَوْ سَيْحًا وَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ.
الشرح:
بَابٌ زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».
قُلْت: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «لَيْسَ فِي حَبٍّ، وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ، حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ»، وَأَعَادَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَدَّلَ: الثَّمَرَ يَعْنِي بِالْمُثَلَّثَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ بِالْمُثَنَّاةِ، وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ: وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ مَخْتُومًا، وَابْنُ مَاجَهْ: وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ الثَّمَرِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
وهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَفْظُهُ: «لَا يَحِلُّ فِي الْبُرِّ وَالتَّمْرِ زَكَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْوَرِقِ زَكَاةٌ، حَنَى تَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوَاقٍ، وَلَا يَحِلُّ فِي الْإِبِلِ زَكَاةٌ، حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ ذَوْدٍ»، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ فَفِيهِ الْعُشْرُ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَبِمَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْأَنْهَارُ، وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي، أَوْ النَّضْحِ الْعُشْرُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ، وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ الْعُشْرَ»، انْتَهَى.
وَلَمَّا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَ عَقَّبَهُ بِحَدِيثِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، وَقَالَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، انْتَهَى.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يُؤَوِّلُ حَدِيثَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ، كَمَا فِي الْكِتَابِ.
وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ مَنْسُوخًا، وَلَهُمْ فِي تَقْرِيرِهِ قَاعِدَةٌ، ذَكَرَهَا السِّغْنَاقِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، قَالَ: إذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: عَامٌّ، وَالْآخَرُ: خَاصٌّ، فَإِنْ عُلِمَ تَقْدِيمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ خُصَّ الْعَامُّ بِالْخَاصِّ، كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا، فَإِنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لِزَيْدٍ، وَإِنْ عُلِمَ تَأْخِيرُ الْعَامِّ كَانَ الْعَامُّ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ لَا تُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا فَإِنَّ هَذَا نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ، هَذَا مَذْهَبُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ: هَذَا إذَا عُلِمَ التَّارِيخُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ، فَإِنَّ الْعَامَّ يُجْعَلُ آخِرًا،لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ، وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ، فَيُجْعَلُ آخِرًا احْتِيَاطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَاحْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رَوَى أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ غَرْبٍ نِصْفُ الْعُشْرِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ».
قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَادُ لَا يُسَاوِي شَيْئًا، أَمَّا أَبُو مُطِيعٍ فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْوَى عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تَرَكُوا حَدِيثَهُ، وَأَمَّا أَبَانُ فَضَعِيفٌ جِدًّا، ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ.
آثَارٌ عَنْ التَّابِعِينَ: أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ: حَتَّى فِي كُلِّ عَشْرِ دَسْتَجَاتِ بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَمِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ: فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ: عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ كَتَبَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْخَضْرَاوَاتِ، وَهِيَ الْبُقُولُ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَالْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، وَغَيْرُهُ، وَتَرَكَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا الْمُرْسَلِ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ.
طَرِيقٌ آخَرُ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْبَعْلُ، وَالسَّيْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي التَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالْحُبُوبِ، فَأَمَّا الْقِثَّاءُ، وَالْبِطِّيخُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْقَصَبُ، وَالْخَضِرُ، فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَزَعَمَ أَنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، لَا يُنْكَرُ أَنْ يُدْرِكَ أَيَّامَ مُعَاذٍ، انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: وَفِي تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى تَرَكَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَمُعَاذٌ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْهُ أَوْلَى بِالْإِرْسَالِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ مُوسَى وُلِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ سَمَّاهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَقِيلَ: إنَّهُ صَحِبَ عُثْمَانَ مُدَّةً وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ»، انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْإِمَامِ: وَفِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُعَاذٍ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ وَفَاةَ مُوسَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَلَهُ طُرُقٌ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبَزَّارُ: وَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلًا، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: عَنْ أَبِيهِ إلَّا الْحَارِثَ بْنَ نَبْهَانَ عَنْ عَطَاءٍ، وَلَا نَعْلَمُ لِعَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِالْحَارِثِ بْنِ نَبْهَانَ، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرَهُ، وَضَعَّفَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ، وَوَافَقَهُمْ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ إلَّا مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بِهِ، وَنَصْرُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: كَذَّابٌ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، فَإِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ هَذَا هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، وَهُوَ صَدُوقٌ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ، وَلَا يُحْتَجُّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَّا بِمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْأَكَابِرُ: الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَفِي حَدِيثِهِمْ عَنْهُ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا عَنْ الصَّقْرِ بْنِ حَبِيبٍ، سَمِعْت أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»، مُخْتَصَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْخَيْلِ وَمِنْ طَرِيقِ الدَّارَقُطْنِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ، فَقَلَبَهُ هَذَا الشَّيْخُ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ، وَهُوَ يَأْتِي بِالْمَقْلُوبَاتِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي جَحْشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ حِين بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا،وَلَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ شَبِيبٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: يَسْرِقُ الْأَخْبَارَ، وَيُقَلِّبُهَا، لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ، انْتَهَى.
وَالشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ تَرَكَ ذِكْرَ ابْنِ شَبِيبٍ وَوَثَّقَ الْبَاقِينَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ السِّنْجَارِيِّ ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ: فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْخُضْرَةِ زَكَاةٌ»، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْلُولٌ بِصَالِحٍ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: هُوَ صَالِحُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلَتْ أَبِي عَنْهُ، فَقَالَ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا، لَا يُعْجِبُنِي حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ: هَذَا حَدِيثٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، فَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، فَقَالَ: الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُرْسَلٌ.
وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ، وَقِيلَ: عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ أَصَحُّهَا كُلِّهَا، انْتَهَى.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمَعَهَا قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَدْ عَلَّلَ الْبَيْهَقِيُّ بِهِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، وَأَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ، وَالْبُقُولِ صَدَقَةٌ، قَالَ الشَّيْخُ: وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا أَحَادِيثُ: «إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةٍ»، فَكُلُّهَا مَدْخُولَةٌ، وَفِي مَتْنِهَا اضْطِرَابٌ، فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «إنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالذُّرَةِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إنَّمَا سَنَّ»، إلَى آخِره، وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ: عَنْ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ: «لَا تَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ»، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: أَنَّهُمَا حِينَ بُعِثَا إلَى الْيَمَنِ، لَمْ يَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الرَّفْعِ. انْتَهَى.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لَمْ تَكُنْ الصَّدَقَةُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالذُّرَةِ»، انْتَهَى.
مُرْسَلٌ، وَفِيهِ خَصِيفٌ.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: «لَمْ يَفْرِضْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءَ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ»، أَرَاهُ قَالَ: وَالذُّرَةِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، فَذَكَرَ: السُّلْتَ، عِوَضَ: الذُّرَةِ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ»، وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا لَا يُوسَقُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ: يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ كَالذُّرَةِ فِي زَمَانِنَا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ، فَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ كَمَا فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ.
(وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ الْخَارِجُ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ، فَاعْتُبِرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةُ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَثُمِائَةِ مَنٍّ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ)، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْوَسْقِ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ.
(وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجِبُ، لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ فَأَشْبَهَ الْإِبْرَيْسَمَ، وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ النَّحْلَ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ وَفِيهِمَا الْعُشْرُ، فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ، لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَوْرَاقِ وَلَا عُشْرَ فِيهَا، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لِأَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ النِّصَابَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ قِروَ َبٍ، لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ: «أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ» عَنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ خَمْسَةُ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرْقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا، لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ، كَذَا فِي قَصَبِ السُّكَّرِ، وَمَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الْعَسَلِ وَالثِّمَارِ فَفِيهِ الْعُشْرُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الْخَارِجُ.
الشرح:
الْحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ».
قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ»، انْتَهَى.
وَلَمْ أَجِدْهُ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا لَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ أَهْلِ الْعَسَلِ الْعُشْرُ»، انْتَهَى.
وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: كَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ، وَلَا يَعْلَمُ، وَيُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ، وَلَا يَفْهَمُ، انْتَهَى.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو: فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيِّ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «جَاءَ هِلَالٌ أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَادِيَ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إنْ أَدَّى إلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ، فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ، يَأْكُلُهُ مَنْ شَاءَ»، انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيّ سَوَاءً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ: فَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيِّ، قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَسْلَمْت، وَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، فَفَعَلَ، وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَيْهِمْ، وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، قَالَ: يَا قَوْمِ أَدُّوا زَكَاةَ الْعَسَلِ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مَالٍ لَا يُؤَدَّى زَكَاتُهُ، قَالُوا: كَمْ تَرَى؟
قُلْت: الْعُشْرُ، فَأَخَذْت مِنْهُمْ الْعُشْرَ، فَأَتَيْت بِهِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَبَاعَهُ وَجَعَلَهُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ»
، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، فَذَكَرَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ بِهِ، وَرَوَاهُ الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، فَقَالَ: عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهِ، انْتَهَى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَبْدُ اللَّهِ وَالِدُ مُنِيرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: مُنِيرٌ هَذَا لَا نَعْرِفُهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالِدِ مُنِيرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، يَصِحُّ حَدِيثُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْعَسَلِ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ رَآهُ، فَتَطَوَّعَ لَهُ بِهِ أَهْلُهُ، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ: فَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ، قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي نَحْلًا، قَالَ: أَدِّ الْعُشُورَ.
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِهَا لِي فَحَمَاهَا لِي»
انْتَهَى.
ورَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ: هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي وُجُوبِ الْعُشْرِ فِيهِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَأَلَتْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى لَمْ يُدْرِكْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ يَصِحُّ، انْتَهَى: وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى، وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي الْكَمَالِ: أَبُو سَيَّارَةَ الْمُتَعِيُّ الْقَيْسِيُّ، قِيلَ: اسْمُهُ عَمِيرَةُ بْنُ الْأَعْلَمِ، رَوَى عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدِيثًا فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهُ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ بِنَحْوِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْعَسَلِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَ قِرَبٍ، لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ.
قُلْت: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَفَّافُ الْمِصْرِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ بَنِي سَيَّارَةَ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ: صَوَابُهُ بَنِي شَبَّابَةَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ، ثُمَّ أَلِفٌ، ثُمَّ بَاءٌ أُخْرَى قَالَ: وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ، ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ شَبَّابَةَ وَسَيَّابَةَ، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ هَذَا الْجَاهِلُ: هَكَذَا فِي غَالِبِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ لِحَدِيثِ بَنِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا أَبِي سَيَّارَةَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، انْتَهَى.
قُلْت: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا صَوَابًا مَعَ قَوْلِهِ: كَانُوا يُؤَدُّونَ، بَلْ الصَّوَابُ بَنِي سَيَّارَةَ عَنْ نَحْلٍ كَانَ لَهُمْ الْعُشْرَ، مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً، وَكَانَ يَحْمِي وَادِيَيْنِ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَا هُنَاكَ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ فَأَبَوْا أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِ شَيْئًا، وَقَالُوا: إنَّمَا كُنَّا نُؤَدِّيهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ سُفْيَانُ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّمَا النَّحْلُ ذُبَابُ غَيْثٍ يَسُوقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِزْقًا إلَى مَنْ يَشَاءُ، فَإِنْ أَدُّوا إلَيْك مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَأَدَّوْا إلَيْهِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَمَى لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، انْتَهَى.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي زَمَانِهِ مِنْ الْعَسَلِ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً مِنْ أَوْسَطِهَا»، انْتَهَى.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينِ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي الْعَسَلِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ زِقٌّ»، انْتَهَى.
وَقَالَ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرُ شَيْءٍ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَأَعَلَّهُ بِصَدَقَةَ هَذَا، وَضَعَّفَهُ عَنْ أَحْمَدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنِ مَعِينٍ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّمِينُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ، وَقَالَ فِي صَدَقَةَ: يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنْ الثِّقَاتِ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ، وَلَفْظُهُ: وَقَالَ: «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ، فِي كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ شَيْءٌ»، انْتَهَى.
قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مِمَّا فِيهِ الْعُشْرُ لَا يُحْتَسَبُ فِيهِ أَجْرُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ، فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا.
قَالَ (تَغْلِبِيٌّ لَهُ أَرْضُ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا) عُرِفَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ فِيمَا اشْتَرَاهُ التَّغْلِبِيُّ مِنْ الْمُسْلِمِ عُشْرًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ (فَإِنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ ذِمِّيٌّ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا عِنْدَهُمْ) لِجَوَازِ التَّضْعِيفِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ (وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ، أَوْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) سَوَاءٌ كَانَ التَّضْعِيفُ أَصْلِيًّا أَوْ حَادِثًا، لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةً لَهَا فَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ بِمَا فِيهَا كَالْخَرَاجِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَعُودُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ) لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ، قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اخْتَلَفَ النُّسَخُ فِي بَيَانِ قَوْلِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَقَاءِ التَّضْعِيفِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْأَصْلِيِّ، لِأَنَّ التَّضْعِيفَ الْحَادِثَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ، لِعَدَمِ تَغَيُّرِ الْوَظِيفَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «فَمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، بِلَفْظِ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ بَعْلًا، الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي، أَوْ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدِينِيِّ ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَبُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ»، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَعَاصِمٌ هَذَا أَثْنَى عَلَيْهِ مَعْنُ بْنُ عِيسَى، فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَأَمَّا الْحَارِثُ هَذَا، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: هُوَ مَشْهُورٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُكْتَبُ حَدِيثُهُ، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ، وَمَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي نِصْفَ الْعُشْرَ»، انْتَهَى.
لِأَنَّ مَا خَفَّتْ مُؤْنَتُهُ وَعَمَّتْ مَنْفَعَتُهُ كَانَ أَحْمَلَ لِلْمُوَاسَاةِ، فَأَوْجَبَ فِيهِ الْعُشْرَ، تَوْسِعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَجَعَلَ فِيمَا كَثُرَتْ مُؤْنَتُهُ نِصْفَ الْعُشْرَ، رِفْقًا بِأَهْلِ الْأَمْوَالِ.
(وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ لِمُسْلِمٍ بَاعَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ) يُرِيدُ بِهِ ذِمِّيًّا غَيْرَ تَغْلِبِيٍّ (وَقَبَضَهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْكَافِرِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ مُضَاعَفًا) وَيُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ اعْتِبَارًا بِالتَّغْلِبِيِّ، وَهَذَا أَهْوَنُ مِنْ التَّبْدِيلِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هِيَ عُشْرِيَّةٍ عَلَى حَالِهَا) أَنَّهُ صَارَ مُؤْنَةً لَهَا فَلَا يَتَبَدَّلُ كَالْخَرَاجِ، ثُمَّ فِي رِوَايَةٍ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ، وَفِي رِوَايَةٍ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ (فَإِنْ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ، أَوْ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ كَمَا كَانَتْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ، كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ لَمْ يَنْقَطِعُ بِهَذَا الشِّرَاءِ، لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ لِمُسْلِمٍ دَارُ خُطَّةٍ فَجَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ) مَعْنَاهُ إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَفِيهَا الْخَرَاجُ، لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ.
(وَلَيْسَ عَلَى الْمَجُوسِيِّ فِي دَارِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا (وَإِنْ جَعَلَهَا بُسْتَانًا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ) وَإِنْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ، لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْعُشْرِ، إذْ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ، فَيَتَعَيَّنُ الْخَرَاجُ، وَهُوَ عُقُوبَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهِ، وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْمَاءِ الْعُشْرِيِّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عُشْرٌ وَاحِدٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عُشْرَانِ، وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِيهِ، ثُمَّ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ: مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ.
وَالْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ: مَاءُ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ، وَمَاءُ جَيْحُونَ وَسَيْحُونُ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ لَا يَحْمِيهَا أَحَدٌ كَالْبِحَارِ، وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ عَلَيْهَا الْقَنَاطِرُ مِنْ السُّفُنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهَا.
الشرح:
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ لِأَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرَضِينَ الَّتِي تَغُلُّ مِنْ ذَوَاتِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ، وَاَلَّتِي تَصْلُحُ لِلْغَلَّةِ مِنْ الْعَامِرِ وَالْغَامِرِ، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَسَاكِنَ، وَالدُّورَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْئًا، انْتَهَى ذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ.
(وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيِّينَ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ التَّغْلِبِيِّ) يَعْنِي الْعُشْرُ الْمُضَاعَفُ فِي الْعُشْرِيَّةُ وَالْخَرَاجُ الْوَاحِدُ فِي الْخَرَاجِيَّةِ، لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ دُونَ الْمُؤْنَةِ الْمَحْضَةِ، ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ، فَيُضَعَّفُ ذَلِكَ إذَا كَانَا مِنْهُمْ.
قَالَ: (وَلَيْسَ فِي عَيْنِ الْقِيرِ وَالنَّفْطِ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ (وَعَلَيْهِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ خَرَاجٌ) وَهَذَا (إذَا كَانَ حَرِيمُهُ صَالِحًا لِلزِّرَاعَةِ) لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ.